يثير استمرار التحاق النساء بتنظيمات متشددة، تساؤلات عديدة، لاسيما حول الدور الذي يقمن به داخل هذه التنظيمات، التي رغم تراجعها تحت وطأة الضربات التي تتلقاها بشكل مستمر، إلا أن خطورتها لا تزال قائمة ومتزايدة، وفق خبراء أمنيين.
وقبل أيام، تمكنت قوات الأمن التونسي من تفكيك خلية متشددة تضم 8 نساء تحصّنَ في منزل بجهة الكرم التابعة لمنطقة قرطاج، شمال العاصمة تونس.
وأكد مصدر قضائي لـ“إرم نيوز“ أن التحقيقات لا تزال متواصلة مع عناصر هذه الخلية التي خضعت يوم الجمعة الماضي، للمحاكمة بتهمة ”التخطيط للقيام بعمليات إرهابية نوعية بالبلاد التونسية“.
وبحسب المصدر، وجهت للمتهمات ”تهم التبرع بأموال وجمعها والانضمام لتنظيم إرهابي وتمجيده واستعمال تراب الجمهورية لانتداب أشخاص للقيام بعمليات إرهابية“.
وأعاد الكشف عن هذه الخلية النسائية وتفكيكها، الحديث مجددا عن أدوار النساء في التنظيمات المتشددة، وخاصة تنظيم ”داعش“.
وسلطت شبكة ”إرم نيوز“ الضوء على خفايا التحاق نساء تونسيات بتنظيمات متطرفة، وكيف أصبحن يضطلعن بأدوار ”قيادية“ ويشاركن في التخطيط والتنفيذ والاستقطاب.
عائدات من بؤر التوتر
الناطقة الرسمية باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، حنان قداس، أكدت في تصريحات لـ“إرم نيوز“، أن القطب القضائي أمر بالاحتفاظ بعناصر الخلية (تتكون من 8 نساء ورجل) التي ضُبطت في منطقة الكرم.
وأظهرت التحقيقات أن أغلب عناصر هذه الخلية النسائية ينشطن على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتواصلن مع قيادات متشددة بالخارج، إضافة إلى أنهن يتلقين تعليمات في صناعة المتفجرات عبر مواقع على ”الإنترنت“.
من جهته، أكد الناطق الرسمي باسم النقابة العامة للمصالح الأمنية المختصة، حسام الجنحاني، لـ ”إرم نيوز“ أن ”من ضمن عناصر هذه الخلية متشددات عائدات من بؤر التوتر، وأن أغلبهن على علاقة كبيرة بالإرهابيين اللذين فجرا نفسيهما أمام السفارة الأمريكية بتونس في مارس 2020“.
وأضاف أن ”إحداهن زوجة متشدد معروف موجود في ليبيا، وأغلبهن محل ملاحقة من قوات الأمن التونسي“.
وأشار إلى أن ”عناصر الخلية النسائية المتشددة، التي تمركزت بالكرم، يعتبرن القيادية المتشددة المدعوة فاطمة الزواغي الموجودة حاليًا بالسجن، قدوة لهن، علمًا أن الزواغي كانت الذراع اليمنى لزعيم تنظيم أنصار الشريعة أبو عياض، الذي أعلن عن مقتله العام 2019 في غارة فرنسية بمالي“.
ولفت إلى أن ”أطوار الكشف عن خلية الكرم النسائية، تعود إلى شجار بين الجيران، حيث تعمدت إحداهن مهاجمة منزل جارتها واستخدمت زجاجة حارقة (مولوتوف).. وعثرت الوحدات الأمنية بعد مداهمة المنزل الذي تحصنت فيه المتشددات، وتفتيشه على أسلحة بيضاء تمثلت في سيوف وسكاكين كبيرة الحجم“.
واعتبر الجنحاني أن ”التنظيمات المتشددة تعتمد على النساء بشكل هام، نظرا لقدرتهن على التخفي وارتداء الأحزمة الناسفة تحت ملابسهن دون لفت الانتباه“.
وأشار إلى أن ”التنظيمات المتشددة في سعي دائم لاستقطاب النساء غير المكشوفات أمنيا، مثل منى قبلة التي فجرت نفسها بشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس على بعد عشرات الأمتار من مقر وزارة الداخلية“.
من المتعة إلى القيادة
وتعتبر فاطمة الزواغي الذراع اليمنى لـ“أبو عياض“، والمسؤولة عن الجناح الإعلامي لتنظيم ”أنصار الشريعة“ المحظور، وهي من أبرز النساء المتشددات اللاتي نشطن في تونس واضطلعن بأدوار قيادية، وسط نقلة نوعية لدور النساء في التنظيمات المتشددة.
ولم تكن الزواغي الاستثناء، فقد تعددت الألقاب التي ارتبطت بنساء كن ”فاعلات“ داخل هذه التنظيمات، على غرار الملقبة بـ“خنساء الجبل“، التي نشطت ضمن خلية بالجبال التونسية، وتحديدا بمرتفعات سيدي بوزيد وسط غرب البلاد.
وظلت الملقبة بـ“خنساء الجبل“ المرأة اللغز لشح المعلومات حول علاقاتها وارتباطاتها والأدوار التي لعبتها داخل الخلية.
ووفق معطيات تحصلت عليها ”إرم نيوز“ حول هوية هذه المرأة، فإنها شقيقة المتشدد محمد فتحي الحاجي الذي تم تصفيته العام 2015 على يد الأمن التونسي، كما أكدت مصادر مطلعة أن المتشددة المذكورة التحقت بالكتيبة نفسها التي كان ينشط فيها شقيقها، إلا أن أخبارها انقطعت.
وأفادت تقارير أمنية بأن ”خنساء الجبل“ تزوجت قياديا متشددا يحمل الجنسية الجزائرية.
كما سجلت النساء حضورهن ضمن خلية ”حفيدات عقبة“ المتشددة، التي تتكون من 5 نساء و13 متشددا و8 متهمين بتهم تتعلق بـ“تكوين خلية موالية لتنظيم داعش، وإنشاء صفحات إلكترونية لتمجيد التنظيم ونصرته“.
وكشفت التحقيقات الأمنية، بأن عناصر الخلية خططوا للقيام بعمليات نوعية بالبلاد التونسية، وأن النساء اضطلعن بأدوار قيادية داخل الخلية.
نقلة في دور النساء
وكشف رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن، عصام الدردوري، في تصريح لـ“إرم نيوز“، أن ”دور العنصر النسائي في التنظيمات المتشددة شهد تطورا خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع بروز فروع لهذه التنظيمات“.
وأوضح الدردوري أن ”دور النساء صلب التنظيمات المتشددة لم يعد يقتصر على الأدوار التقليدية المرتبطة بتوفير الدعم والتمويل وما يعرف بجهاد النكاح وطاعة أزواجهن، فقد أصبحنا نتحدث عن قيادات نسائية في الصفوف الأولى لتنظيم داعش“.
وأضاف الدردوري أن ”هذا التنظيم غير النظرة التقليدية لحضور النساء صلب التنظيمات المتشددة، ومنحهن مكانة متقدمة على عكس تنظيم القاعدة“.
وأوضح أن ”داعش استغل في ذلك الثغرة النفسية لبعض المنتميات للتنظيم، واللاتي كن يطمحن لأن يصبحن ضمن الصفوف الأولى للتنظيم“.
ووفق الدردوري فإن ”اختيار النساء للقتال في صفوف داعش لم يكن اعتباطيا، بل كان مدروسا، باعتبار أن هذه التنظيمات تواكب باستمرار تطور العمل الجهادي حتى في علاقة حضور النساء الذي لم يعد حكرا على فئة عمرية معينة، بل أصبح في ارتباط وثيق بمقاييس أخرى مثل الشهادات العلمية ودرجة الذكاء“.
وقال الدردوري إن ”هناك عناصر نسائية أكثر خطرًا من عناصر ذكورية؛ نظرا لقدرتهن على التقمص وسرعتهن في التقيد بأدبيات هذه التنظيمات المتطرفة“.
ووفق خبراء أمنيين، تحدثوا لـ“إرم نيوز“، ”ارتبط دور المرأة داخل التنظيمات المتشددة في تونس وامتداداتها الخارجية، باستغلال جسدها لتوفير اللذة والمتعة للمقاتلين، عبر ما عُرف بجهاد النكاح، لكن عددا من النساء باختلاف جنسياتهن اخترن الانضمام إلى التنظيمات المتشددة لعدة أسباب، وأصبحن يضطلعن بأدوار تتعدى توفير المتعة الجنسية“.
وبالرغم من حداثة الظاهرة التي اتضحت ملامحها خصوصًا في عملية ”دوار هيشر“ غرب العاصمة تونس، مؤخرًا، مع إحدى المتشددات التي تلقب بـ ”أم يمنى“، والتي تم تصفيتها على يد قوات الأمن بمنزلها إثر القبض على زوجها في مداهمة أمنية، إلا أن نزيف التحاق بعض التونسيات بالتنظيمات المتشددة اتخذ نسقًا تصاعديًا، وفق ما أكدته مصادر أمنية وقضائية.
وتؤكد الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية التونسية خلال الآونة الأخيرة، أن ”وحدات الأمن تمكنت من تفكيك ما يقارب من 150 خلية، وإحباط مخططاتها خلال الأشهر الأخيرة، علمًا أن عددًا من النساء كن ينشطن داخل هذه الخلايا“.
وقالت الدكتورة بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية بتونس، في تصريحات لـ“إرم نيوز“، إنه ”لا توجد إحصائيات رسمية لعدد النساء اللاتي تم توقيفهن في قضايا ذات صبغة إرهابية“، مشيرة إلى أن ”المركز الدولي كان أول من تطرق لانضمام النساء إلى داعش، وأعلن عن انضمام 700 امرأة لذات التنظيم في سوريا والعراق، حيث كن ينشطن تحت لواء كتيبة الخنساء بقيادة الملقبة بأم ريان التونسية“.
وأكدت قعلول أن ”المركز يعمل على إعداد دراسة تتعلق بعودة الإرهاب، حيث يعمل تنظيم داعش على إعادة تنظيم صفوفه في شمال أفريقيا، ولا سيما في ليبيا التي كانت تضم كتيبة الداعيات التي تتكون من ألف امرأة“، مشيرة إلى أنه ”رغم تفكيكها إلا أنها لا تزال تنشط وتضم عناصر نسائية تونسية“.
وتساءلت قعلول عن مصير النساء اللواتي عدن من بؤر التوتر إلى تونس، وكيف تعاملت الدولة معهن؟.
وبخصوص النساء اللواتي يقبعن على الحدود السورية التركية، أشارت جمعية التونسيين للعالقين بالخارج، إلى إحدى العناصر النسائية التي نشطت داخل تنظيم داعش في سوريا، والتي وجهت نداء إلى السلطات التونسية مطالبة بإعادتها إلى البلاد ومحاكمتها محاكمة عادلة.
وقالت الجمعية لـ“إرم نيوز“، إن هذه المتشددة أكدت وجود قيادات نسائية معها بأحد المخيمات تعرضن للمضايقات.
كما أكدت أن ”عددًا من النساء اللاتي تواجدن في المخيم لم يتورطن في الجرائم التي قام بها التنظيم، بل كن ضحايا لأزواجهن“، وفق تعبيرها.
وأفادت الجمعية بأن ”عددا من الفتيات أجبرن على الانضمام إلى صفوف داعش في سوريا هربًا من المضايقات الأمنية التي كن يتعرضن إليها باستمرار“، مشيرة إلى ”أنهن كن كذلك ضحايا عمليات غسل دماغ واستقطاب من قبل قيادات نسائية في التنظيم، واللاتي مازلن يحاولن فرض سيطرتهن عليهن“، وفق قولها.
وفي السياق، اعتبر رئيس جمعية التونسيين العالقين بالخارج، إقبال بن رجب، الذي عمل كثيرًا على هذا الملف، أن ”المشكلة تكمن حاليًا في عودة النساء المنتميات للتنظيم“، مرجحًا أن ”عدد النساء العالقات في المخيمات يبلغ 500 امرأة تونسية، إضافة إلى 10 نساء في السجون الليبية بسبب تورطهن في قضايا ذات صبغة إرهابية“.
وقال بن رجب، في تصريحات لـ“إرم نيوز“، إن ”هناك صنفين من النساء في التنظيم: الأول متشبع بفكر التنظيم المتشدد ولعب دور القيادة، والصنف الثاني كن ضحايا والتحقن بأزواجهن بسبب الظروف، أو كن ضحايا عمليات احتيال، إذ تم تسفيرهن إلى تركيا إلا أنهن وجدن أنفسهن في فخ تنظيم داعش“.
وتابع بن رجب: ”المشكلة تكمن في أنه لا يوجد برنامج لتأهيل السجينات المتورطات في قضايا إرهابية، وحتى بعد إطلاق سراحهن يجدن أنفسهن مرة أخرى مجبرات على العودة إلى التنظيم“.
ووجه بن رجب نداء إلى السلطات التونسية للتعامل مع هذا الملف.